قراءة في قصيدة '' حيرها ''
للشاعر د . فهد المحمد الثاني
.......................
'' حيرها '' ، قصيدة جديدة بالشعر المحكي للشاعر الدكتور فهد المحمد الثاني سفير المحبة والسلام ، عميد اتحاد الجامعات
العربية . تتناول القصيدة مسألة اجتماعية هامة جدا وتقاليد قبلية جائرة تمارس الظلم والاستبداد بحق المرأة . لا تقل خطرا عن الوأد
أي دفن البنات الصغار وهن احياء ، الذي كان سائدا بين القبائل العربية قبل الإسلام .
عنوان القصيدة '' حيرها '' . وكلمة حير
في اللغة العربية يعني جعله ضمن دائرة وطوّقه . والحيار هو أحد أشكال العضل ،
أي المنع فيقال ، عضل فلان ابنته إذا منعها من الزواج . يتضح ذلك من خلال الآية الكريمة
'' فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن'' .
والمعنى ، لا يجوز لأولياء الأمور أن يمنعوا النساء من الزواج متى تحققت لهن الرغبة في شخص ما طالما توفر الوعي لدى المرأة وكان الرجل من ذوي الكفاءة لها . سواء كان الزواج ابتداء أو بعد طلاق . فإن المرأة هي التي تعيش وتلتقي بالرجل ، وهما معاً المسؤلان عن حياتهما ، ولا يصح التدخل بينهما . أن العضل هو التحكم في عواطف ومشاعر النساء وإهدارا لكرامتهن . انه شكل من أشكال الظلم والاستبداد الاجتماعي وسلب الحرية الإنسانية . . .
من جهة أخرى ، المحيرة ، هي امرأة
يحيرها بمعنى يحجزها للزواج ابن عمها أو اقرب ذكر من جهة الأب وعليه لا يجوز
لأي رجل آخر التقدم لخطبتها واذا أصر عليها يجب أن يدفع مبلغا من المال لابن العم يسمى ب '' بفك الحيار '' . ثم يقوم بدفع المهر
لأبيها . وكثيرا من الأحيان تبقى المرأة محيرة
ونفس ابن عمها الذي حيرها يتزوج غيرها ويتركها سلعة بيد ابيها أو ولي أمرها ولا نجاة لها إلا الفرار من القبيلة أو الموت شريدة في
في البوادي وفيافي الصحراء . . .
ماهو الدافع وراء فكرة جعل المرأة محيرة في المجتمع القبلي ؟ لاشك أن الدافع من وراء
ذلك هو الزواج بالأقارب ، الذي يعتبر من الأعراف والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها ، من أجل المحافظة على قيم الروابط الاجتماعية بالزواج وتماسك الأسر . الذي
ينتج عنه زيادة الأولاد وكثرة النسل ، والحرص على عدم خروج الفتاة عن طوق القبيلة بزواجها من قبيلة أخرى . . .
فتحرم من رؤية أهلها بحكم انتقالها مع زوج يسكن منطقة قد تكون بعيدة فيفضل الآباء تزويج بناتهن الى أقربائهم ، وعدم تشجيع زواج الفتاة من خارج القبيلة بسبب الخوف من ان يكون الزوج عليه ثأر أو دم أو غير معروف الأصل لذلك يفضلون الزواج من الأقرباء . مع الاشارة أن علماء البيولوجي يحذرون من أ ن زواج الأقارب . ينجم عنه زيادة خطر الإصابة بالاضطرابات الوراثية المتنحية . . .
استمرت هذه العادات الاجتماعية بمعناها المنطقي لسنوات حتى تغير الطابع الاجتماعي للزواج وانعكست هذه الأسباب الإيجابية إلى عوامل سلبية على الفتيات والفتيان بسبب الجهل والتخلف العلمي والثقافي والانعزال عن المجتمعات المتحضرة . أصبحت هذه العادات شيئاً أساسياً في الزواج فأجبرت الفتاة إجباراً على الزواج من ابن عمها أو قريبها بالقوة وبالاكراه رغماً عنها . . .
فأصبح يحجر على الفتاة منذ ان تكون طفلة صغيرة وفي سنواتها الأولى إلى ولد عمها أو يعقد قرانها عليه وهي لا تعي من أمر الزواج شيئاً حتى إذا كبرت تزوجته رغماً عنها . وهكذا يكون نصيب أغلب الفتيات في كثير من الأسر التي تعيش في البادية أو الأرياف النائية . . .
فالبنت لا بن عمها شاءت أم أبت وويل لها لو تجرأت ورفضته ، فحينها ستدفع الثمن باهظاً لترغم في النهاية على الموافقة، وليبدأ بعدها مسلسل المشاكل والمصائب التي تصل في بعض الأحيان إلى حد قتل الرجل الذي أصر على الزواج بالمرأة المحيرة . . .
بدون أدنى شك ، أن مسألة المرأة المحيرة تعد شكل من أشكال الجرائم الاجتماعية التي تدخل في تركيبة العائلة الريفية البدوية بشكل خاص التي تعتبر أصلح مناخ لنمو هذه العادة التي تحكم بالإعدام على سعادة الكثير من الفتيات بعمر الورود حرمن من حرية الاختيار للزوج الصالح عندما وجدن أنفسهن مجبرات على قبول ابن العم زوجاً مهما كانت أخلاقه ، وأنّ رفضن الأمر حكمن على أنفسهن بالبقاء عانسات حتى يقبل ابن العم فك الحيار مقابل الحصول على مكاسب مادية رخيصة . . .
في المقطع الأول للقصيدة ، يرسم الشاعر
صورة حية لشاب يتقدم لطلب يد فتاة أحبها وكان معجبا بها . غير أنه يفاجأ أن ابن عمها قد حيرها . يشعر الشاب بصدمة عاطفية بسبب هذه الأعراف والتقاليد الاجتماعية
البالية التي ينجم عنها الأذى والضرر وحرمان
الشابات والشباب من حق الحرية والحياة الكريمة وتقرير المصير . يقول الشاعر . . .
- لا ذنب للقلوب في
العادات وتقاليدها
- ارسلت الف جاهة
و خطابة الى أهلها
- كان الجواب أبن العم
العصب محيرها
- جلست في الطرقات
استشعر خطواتها
- لعلي اسمع صدى صوت
ويشتم الخفوق عطرها
- عشقت الأنفاس ورائحة
الياسمين في منزلها
- داعبت الياسمين ولعبت
مع اصغر اخواتها
- احببتها واختلطت
انفاسي في أنفاسها
- في سكون الليل الأفكار
تأخذني وفي انفي عطرها
في المقطع الثاني للقصيدة ، عندما يعلم الشاب ، الذي تقدم لخطبة الفتاة ، أنها فتاة
محيرة تدفع به هذه الحالة إلى حافة اليأس والأسى وركوب الخطر . كان الفصل شتاء . أخذ يتجول في الشوارع تحت الثلج والمطر . هائما على وجهه يلتمس آثار خطواتها . يناجيها ، يطلب الرحمة من السماء ، حتى تنقذه من اليأس والأسى والعذاب الشديد .
أنه يمشي تائها تحت أغصان الشجر وحيدا يناجي الرب أن يجمعه بتلك الفتاة لتبعث في
دمه الحرارة وتقيه برد الشتاء وثلوجه العاتية . وتنقذ مشاعره من الظلام وتعيد إلى قلبه
الحب ومرح الحياة . يقول الشاعر . .
- اسبح في بحور الشوق
والجسم عليل من هواها
- فقدتها في فصل الشتاء
والناس في مخادعها
- تهت في الشوارع التمس
اثر خطواتها
- تجمدت عروقي وعيوني
والقلب يشم رائحتها
- تتخبط الخطوات خوف
من البرد على رموشها
- اعاصير تلفح الوجهه
تنخر العظام و لحمها
- نجوم الثلج حبال موصولة
تتراقص في طرقاتها
- وحيد في الشوارع مع
قلب منهار للقياها
- بحث في خلدات الأزقة
وتحت أشجارها
في المقطع الثالث ، يستمر الشاعر في وصف العاشق الذي ينشد لقاء حبيبته يتبع
آثارها . غير أن الثلوج غطت ذلك الطريق الذي يمشي عليه متعثر الخطى ينهض تارة
ويهوي تارة أخرى . وسط ظلمة الليل الحالكة والعواصف والسحاب . . .
فجاة تهب نسمات عليلة تضوع منها روائح شذية عطرة . تخفق لها روحه الكئيبة تنتشي
بالحب وتشدو بالهوى . تخيل حبيبته كأنها تنتظره في حديقة تحت أغصان الياسمين . يمسح الثلوج عن وجهها وعينيها . يعانقها ، يضمها إلى قلبه وروحه . كان قدها المياس يفوح بعطر الزهور وسحر المساء وضوء القمر . . .
لم تصدق عيناه أنه التقى بفتاة الأحلام . يأخذها بين ذراعيه ، يقبلها على ثغرها الجميل كأنه يرشف الخمرة من تلك الشفاه البديعة التكوين . يحلم كأنه يغمر طيفها تحت شجرة الياسمين . وقد غرد الحب وسحر الأحلام والزهر والشفق الساجي الجميل . يقول الشاعر . . .
- لعلي اجد أثر لكن الثلوج
مسحت خطواتها
- اتعثر تارة وتارة انهض
والأمل ضعيف في لقياها
- وفي ظلمات الليل الحالك
تطاير للانف رائحة مسكها
- خفق القلب و انتعشت
الروح و دقّت طبولها
- في حديقة العشاق تحت
شجرة الياسمين جثمانها
- شممتها و مسحت الثلوج
عن الوجه وقبّلت فاها
- ملاك طاهر يفوح المسك
والعنبر من جثمانها
- ساعات تحت شجرة الياسمين
جسمي يتلحف جسمها
في المقطع الرابع والأخير ، يحمل إلينا الشاعر صورة وردية عن لقاء العاشق بفتاته التي حيرها ابن عمها ، وترك هذه الظبية شاردة في البراري لأنه فقد الاحساس بالجمال والحب . وحنان المرأة وظلالها التي تفوح بعطر الاقاح وزهر التفاح والياسمين . . .
تخيل العاشق أن هذه المرأة المحيرة الجميلة التي طلب يدها قد قررت ترك القبيلة
وان تحطم كل القيود وتمضي للبحث عن فجر الحرية . مضت تحلق في السماء مثل طيور الحمام والبلابل المغردة في الغاب . . .
أخذت طريقها إلى عالم الأحلام والحب وسحر الضباب وخمائل الغاب وجمال القمر في
خشوع السكون . هناك في جنة الخيال والطموح والاحلام غابت مع حبيبها ، سكرت تحت السماء ، نسيت الحياة والموت ، بنت لها
وحبيبها قصرا في الجنة خالدا مع الأيام .
باركت الملائكة والرسل تلك الفتاة الجريئة التي حررت المرأة من العبودية . أنها شهرزاد
التي حولت شهريار سفاح النساء إلى عاشق
يقبل يديها ليل نهار . أنها ليلى العامرية
وزبيدة وعبلة وولادة بنت المستكفي .
يقول الشاعر . . .
- ضممتها لصدري برفق لعلا
دفئ قلبي يعيد روحها
- همست في الأذن والقلب
الجنة ياحبيبتي لقيانا
- هناك عند ربي خالق
يبارك القلوب و يرعها
- نصحي يا اجاويد العرب
البنت كيان لها قلبها
- حاج عادات بالية هذا
ظلم و اجحاف في حقها
- البنت غزالة فراشة ناعمة
حنونه مضحية تحب أهلها
- القلب سلطان ما يعرف أبن
عم وعشيرة وتقاليدها
- اقل واجب نتبع سنة الرسول
ونصلي عليه وما نجبرها
الخاتمة ، قدم الشاعر الدكتور فهد المحمد الثاني ، إلى أصدقائه ومحبيه في أرجاء الوطن العربي ، قصيدته العصماء الجديدة '' حيرها '' . تناول فيها ظاهرة
'' زواج الحيار '' وهو عرف وعادة قديمة في المجتمعات القبلية ولعلها موجودة بصورة أو أخرى في أغلب المجتمعات العربية تحت أسماء وأشكال مختلفة . ورغم أن الشرائع السماوية والقوانين الوضعية تجرم صيغة الإكراه التي يتضمنها هذا الزواج إلا أنها
ماتزال موجودة في مجتمعاتنا . ويمكن تعريف هذه الظاهرة نظرياً بأنها إجبار الفتاة أو الشاب ، في بعض الحالات ، على الزواج من أبناء عمومته، وعملياً تكون الفتاة هي المجبرة الرئيسة على الزواج، لأن الشاب بإمكانه التنصل من وعود الزواج من الفتاة المجبرة على الارتباط به في حال أراد ذلك .
من المعروف أن الأعمال الأدبية هي مرآة المجتمع الذي نعيش فيه . لذا فإن هذ
القصيدة هي بمثابة أداة تنوير . تسلط الضوء على هذه الظاهرة السلبية المدمرة في الحياة الاجتماعية . لذا بادر شاعرنا الكبير الدكتور فهد المحمد الثاني إلى تقديم هذه القصيدة للشباب والشابات والجيل الصاعد ليساهموا القضاء على هذه الظاهرة السلبية الخطيرة .
الجدير بالذكر أن أهل الشاعر السوري نزار قباني رفضوا تزويج أخته لمتقدم كانت تحبه ، وكانت هناك محاولات لإجبارها على الزواج بآخر ، ما دفعها للانتحار . تلك الحادثة كانت أحد أهم الدوافع التي جعلت من المرأة محورًا أساسيًا في شعر نزار قباني الذي قال "أختي انتحرت لأنها أحبت وأرادت أن تتزوج ممن تحب ، فمنعتها أسرتي". هذا المنع الذي جاء وفقًا لأسباب عائلية قد يختلف عن ظاهرة الحيار في الشكل ولكنه يتشابه معها في المضمون .
من هنا تبرز أهمية قصيدة '' حيرها '' .
أنها رسالة من الشاعر يوجهها إلى المجتمع . ونداء لكل الفتيات المقبلات على الزواج بضرورة إعلاء أصواتهن بالرفض القاطع لكل من تجبر على الزواج ممن لا ترغب فيه . مؤكدا أنها حالة من اغتصاب جسد المرأة مخالفة لكل الشرائع السماوية وفي مقدمتها
الشريعة الإسلامية التي أوجبت موافقة البكر والثيب على الزواج من الرجل المتقدم لخطبتها . . .
تحية إلى الدكتور الشاعر فهد
المحمد الثاني سفير المحبة والسلام رافع راية الحرية والتقدم . رائد الاجيال العربية الصاعدة .
........................
د . محمد يوسف سويدان
مدير معهد اللغات الأجنبية
استاذ الأدب الانكليزي
سوريا - طرطوس
٣ / ٧ / ٢٠٢