الجمعة، 23 فبراير 2024

مابين كلمة الحق وسيف الباطل/ بقلم الأديب /صخر محمد حسين العزة

مــا بــيــن كــلــمــة الــحــق وسـيــف الــبــاطــل
إن الصحافة والإعلام مهنةً ليست كباقي المهن ، فهي مهنةٌ ليست عادية بل هي رسالة ذات بُعدٍ أخلاقي ووجداني يتجاوز فيها من يمتهنها المصلحة الذاتية إذا كان إنساناً ذو أخلاق وصاحب ضميرٍ حي ، لأن الصحافة والإعلام تنقل الحقائق ونبض الشعوب ومعاناتها ، والذين يقلبون الحقائق من أجل حفنةٍ من الدولارات هم عديموا الأخلاق وفاقدون لمعاني الإنسانية ، فالصحفي الحُر هو الذي يحافظ على مصداقية الكلمة وشرفها وأمانتها ، وحالياً في وقتنا الحاضر مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح العالم قريةٍ صغيرة ، وإن من يحاول ان ينقل الصورة غير الحقيقية للواقع ، لا بد له أن ينكشف لأنه ليس هو وحده في الميدان ، وإن كارثة الكوارث هو من ينقل الأخبار الكاذبة ويروجها ، ولا يحافظ على شرف المهنة النبيلة - مهنة الصحافة والإعلام ، كما هو الحال مما نراه الآن من وكالات الأنباء الغربية من تلفيقٍ للأخبار وتشويه للحقائق عن أحداث غزة وما يجري فيها من قتل ودمار ويصوروا القاتل هو الضحية والمقتول هو القاتل، ولكن تعرت أكاذيبهم وتم كشف زيف وبطلان ما روجوا له .
إن ما جعلني أكتب في هذا الموضوع هو إستهداف الإحتلال الصهيوني في غزة خاصة وفي الضفة الغربية على المراسلين الصحفيين الذين تجاوز عدد الشهداء منهم حتى الآن مائةٌ وثلاثين صحفياً عدا الجرحى والمعتقلين منهم ، ولم يسمح الإحتلال منذ بداية طوفان الأقصى في السابع من تشرين أول عام ٢٠٢٣م لأية وكالات أنباء أجنبية أن تنقل أحداث غزة مباشرة على أرض الواقع ، فكان لزاماً على أبناء الوطن من الصحفيين الفلسطينيين الأحرار أن ينقلوا الصورة الجلية لما يجري من مجازر وقتل وتدمير في قطاع غزة والضفة الغربية ، وكان الفضل لهم في كشف وجه الإحتلال القبيح لتنتفض شعوب العالم الغربي الذين كانوا مغيبين عن حقيقة هذا الكيان من قِبل حكامهم وبسبب سيطرة اللوبي الصهيوني على الإعلام الغربي، وقامت هذه الشعوب بالمسيرات والمظاهرات منددة بالمجازر وبحملات الإبادة ومطالبين بوقف إطلاق النار، ولهذا السبب استهدف الإحتلال الصهيوني الصحفيين بالقتل ليخيفوهم ويسكتوا صوت الحق، ولكن صوت الحق هو الذي يعلو مهما كان الباطلُ قوياً، قال تعالى في سورة الإسراء - الآية ٨١ : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ولم يقتصر الإستهداف للمراسلين الصحفيين بل لكل ما يتعلق من وسائل إعلام ، وكان الإستهداف الأكبر لمراسلي قناة الجزيرة لهم ولعائلاتهم من أجل أن يكسروا عزيمتهم ويثنوهم عن عملهم الجليل بنقل الحقيقة وتعرية زيف الإحتلال وكشف فضائحه وجرائمه أمام العالم .
إن إستهداف الإحتلال الصهيوني للصحفيين هو صورة طبق الأصل لما كانت تقوم به ربيبتها أمريكا في حربها على العراق التي ارتكبت أفظع مجزرة في تاريخ الصحافة منذ عام ٢٠٠٣ إلى عام ٢٠١٠ وقد أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود تقريراً بعنوان [ الحرب في العراق، أفظع مجزرة في تاريخ الصحافة (2003-2010 ) ] وقد قالت في تقريرها أن الحرب الثانية في العراق تُعد من أكثر الصراعات دموية بالنسبة إلى الصحفيين منذ الحرب العالمية الثانية ، وأعلنت المنظمة أنه منذ اندلاع الحرب في العراق في ٢٠ آذار عام ٢٠٠٣م قد قتل ما يزيد عن مائتين وثلاثين صحفياً ومعاوناً إعلامياً ، وهو عدد يتخطى بأشواط ذلك الذي سجله التاريخ على مدى أكثر من عشرين عاماً من الحرب في فيتنام أو أثناء الحرب الأهلية في الجزائر، ولن ننسى الصحفي الأردني طارق أيوب الذي استشهد بتاريخ الثامن من نيسان عام ٢٠٠٣م باستهداف مكتب الجزيرة في العراق فاستشهد وأصيب معه المصور الصحفي زهير العراقي .
إن مطالبة الإحتلال الإسرائيلي بإغلاق مكاتب الجزيرة في إسرائيل ، يشير إلى محاولةٍ اخيرةٍ منه لطمس الرواية الفلسطينية وتشويهها أمام العالم ، وتتحدث في حربها على غزة وكأنها حديث خيالي معزول تماماً عن الواقع ، وقد قام جهاز الإستخبارات الإسرائيلية ( الموساد) بدعم إغلاق شبكة الجزيرة التلفزيونية بدعوى أنها تضر بأنشطة الجيش الإسرائيلي ، وأنهم يكشفون مناطق تجمع الجنود خلال الحرب ، ومواقع حساسة أخرى في إسرائيل ، وكل هذا يوضح إستهدافهم للصحافيين والاعلاميين ، وخاصة مراسلي قناة الجزيرة ، ونستعرض معكم بعض الصحافيين والإعلاميين الذين استهدفهم الإحتلال الصهيوني ، وعلينا أن نستذكر بداية أن أول شهيدٍ فلسطيني للصحافة والإعلام كان الشهيد الشاعر عبدالرحيم محمود الذي التحق بصفوف الثورة الفلسطينية الكبرى عام ١٩٣٦م واستشهد في معركة الشجرة بتاريخ ١٣ آب عام ١٩٤٨م والذي كان مسؤولاً عن الشؤون الإعلامية ، وكتابة البيانات في مقر قيادة القائد العام للثورة الفلسطينية عبدالرحيم الحاج محمد .
ونستعرض الآن الصحفيين والاعلاميين الذين تم إستهدافهم من قبل جيش الإحتلال الصهيوني ، وأغلبهم من قناة الجزيرة وهم كالتالي :
أولاً : شيرين أبو عاقلة : بتاريخ ١١ آيار عام ٢٠٢٢م تم اغتيال الصحافية الفلسطينية والمراسلة الإخبارية لقناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة خلال تغطيتها لإقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين وذلك باستهدافها مباشرةً من قناص إسرائيلي ، وشيرين من أبرز الصحفيين في العالم العربي ومراسلة مخضرمة ، حيث تضمنت حياتها المهنية تغطية الأحداث الفلسطينية الكبرى بما في ذلك الإنتفاضة الثانية ، بالإضافة إلى تحليل السياسة الإسرائيلية ، وقد منحها الزعيم الراحل معمر القذافي في الثامن من آذار عام ٢٠٠٣م وسام الشجاعة تقديراً لشجاعتها في نقل وقائع مجازر قوات الإحتلال الصهيوني ، وعند تشييعها وصل الحقد الصهيوني بالإعتداء على المشيعين بالضرب بالهراوات ، وكاد النعش أن يسقط على الأرض .
ثانياً : ياسر مرتجى : مصور وصحفي فلسطيني إستُشهد بتاريخ ٦ نيسان عام ٢٠١٨م في إحتجاجات يوم الأرض ، وهو مؤسس مشارك لشركة عين للإنتاج الإعلامي ، وهي شركة أنتجت مواد إعلامية لصالح قناة الجزيرة ، وقناة فايس ، ولقنوات وشركات إعلامية أخرى ، وهو أحد أوائل الذين أدخلوا كاميرا طائرة بدون طيار إلى غزة
ثالثاً : أحمد أبو حسين : إستشهد بتاريخ ١٥ نيسان عام ٢٠١٨م باستهدافه بشكل متعمد ومباشر من قناصة الإحتلال بينما كان يمارس عمله بتوثيق التظاهرات الشعبية السلمية ضمن مسيرات العودة الكبرى شرقي مدينة جباليا
رابعاً : سامر أبو دقة : هو صحفي ومصور وناقد فلسطيني إستشهد في ١٥ كانون أول عام ٢٠٢٣م وبقي ينزف ستة ساعات دون أن تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إليه فارتقى شهيداً
خامساً : علي عبدالله نسمان : ناشط سياسي وفنان كوميدي ومدون فلسطيني ، شارك في العديد من المسلسلات الفلسطينية ، ومن أبرز المدونين وناشطاً ضد الإحتلال الإسرائيلي واتفاقيات أوسلو ، وقد استشهد بتاريخ ١٣ تشرين أول عام ٢٠٢٣م بقصف جوي لمنزله في غزة ، وكان قبل وفاته قد صور فيديو ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُدين فيه الإحتلال الصهيوني لقصفه للمدنيين في قطاع غزة ، وقد كان من أهم النشطاء البارزين خلال عملية طوفان الأقصى
سادساً : علاء قدوحة : إستشهد الفنان الفلسطيني علاء قدوحة بتاريخ ١٣ شباط عام ٢٠٢٤م بقصف منزله في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة فاستشهد هو وخمسة من أفراد عائلته، وهو كان من أشهر الفنانين على منصة ( تِك توك) وكان يظهر في مشاهد عديدة على أنه ضابط أسرائيلي بدور ( موشي) وله العديد من الأعمال الدرامية، وأهمها مسلسل قبضة الأحرار والذي سبق بثَّهُ قبل عملية طوفان الأقصى وكانت العملية كأنها مستنسخة من المسلسل ، وقد كرَّمَ حينها القائد يحيى السنوار طاقم العمل الفني الذي شارك في المسلسل
سابعاً : محمد خليفة : المخرج والمصور الفلسطيني محمد خليفة استشهد بتاريخ ١٢ كانون أول عام ٢٠٢٣م بقصف منزله في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وقد كان الشهيد محمد خليفة هو مدير التصوير الداخلي في قناة الأقصى الفضائية بالإضافة لعمله كمخرج وقد أخرج العديد من المسلسلات التلفزيونية وأهمها مسلسل قبضة الأحرار الذي يحاكي بأحداثه عملية طوفان الأقصى .
ثامناً : وائل حمدان إبراهيم الدحدوح : هو صحفي فلسطيني من قطاع غزة ومدير عام قناة الجزيرة في القطاع ، تم اعتقاله سابقاً من سلطات الإحتلال مدة سبع سنوات ، وكانت بداياته مراسلاً لصحيفة القدس الفلسطينية ، واشتغل في وسائل إعلام أخرى قبل أن يلتحق بقناة الجزيرة عام ٢٠٠٤م .
إستهدفه الإحتلال الصهيوني عدة مرات ، وفي ٢٥ تشرين أول عام ٢٠٢٣م تم قصف المنزل الذي نزحت عائلته إليه في مخيم النصيرات مما تسبب باستسشهاد زوجته وأحد أبنائه ، وإبنته وحفيده ، وكان ذلك إستهدافاً متعمداً لتغطيته لعملية طوفان الأقصى ، وكان قد عرض عليه الإحتلال في السابق من خلال قطر لمغادرة غزة ولكنه رفض ذلك ، ثم تعرض مرة أخرى للإستهداف بقصف جوي له عند مدرسة حيفا في خانيونس حيث أِصيب هو وزميله المصور سامر أبو دقة بتاريخ ١٥ كانون أول عام ٢٠٢٣م ، وبقي سامر ينزف لمدة ستة ساعات دون استطاعة سيارات الهلال الأحمر الوصول إليه ، إلى أن ارتقى شهيداً ، وبعد ذلك تم إستهداف إبن وائل الأكبر الصحفي حمزة وزميله مصطفى ثريا وقد استشهدا بتاريخ ٧ كانون ثاني عام ٢٠٢٤م في غرب خانيونس جنوب قطاع غزة .
وختاماً أقول إن صوت الحق عملة نادرة يخشى الكثير من حمل أمانتها خوفاً من أن يدفعوا ثمنها باهظاً من أنفسهم أو من أي عزيزٍ عليهم ، أو خسارة لمركزهم أو منصبهم ، أو تولد عداوة لصاحب سلطة ، مما يجعل الكثير يبتعد عن الخوض بذلك ، ويكممون أفواههم ، ويصُمون آذانهم ويغضون البصر عن الحقيقة خوفاً على أنفسهم ، ولكن هناك من بقيت أصواتهم مِجلجلة تصدحُ بالحق ، ولم ترضخ للمساومة ، ولم تحِد عن مبادئها ووجدت في ذاتها جرأة نفسية وقوة داخلية وإيماناً صادقاً بعدالة قضيتهم ورسالتهم التي يحملونها ليكملونها بكل ثبات ورسوخ وشموخ ، فهولاء الأبطال من الصحفيين والصحفيات تعالوا على الجراح ، ودفعوا ضريبة كلمتهم الصادقة وصوتهم الحر من أنفسهم ومن أهاليهم ولم يرضخوا لصلف الإحتلال لإيمانهم بقضيتهَم وعدالتها ولا نقاش فيها .
وفي النهاية نقول أن الباطل مهما كان قوياً لا بُدَّ للحق أن ينتصرعليه ، وإن الهزيمة لا بُدَّ واقعةً للباطل أو من يقف مُدافعاً عنه وإن الباطل مهما تطاول وبغى وطغى ، فإنهُ لا بُدَّ صائرٌ إلى الزوال ، ويجب أن نستذكر صراع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش، وقد تمثل الصراع في غزوة بدر الكبرى التي كانت فيها العاقبة والنصر للإسلام على الكفر والحق على الباطل ، وكانت غزوة بدر هي الفارقة بين الحق والباطل على مستوى الأفراد ومستوى الأمة ولهذا سميت أيضاً بغزوة الفرقان ، وهكذا كذلك عملية طوفان الأقصى بإذن الله هي غزوة فرقانٍ أخرى، تفرق بين الحق والباطل ، فمهما علا الباطل فالحق هو الأعلى والمنتصر ، ولولا هؤلاء الصحفيون الأبطال لما تغير وجه العالم وكشف زيف وباطل هذا الإحتلال البغيض ولبقي وجه الصهيوينة القبيح مُستتراً لا تعرف شعوب العالم حقيقته ، قال تعالى في سورة الأنفال - الآيات : [ 7 - 8] : { ويريد الله أن يحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين }

صخر محمد حسين العزة
عمان - الأردن
20/ 2 /2024

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحب الخالد// بقلم الشاعرة: همسة انين

الحب الخالد يا قلبين قد صاغَهُما قدرٌ فشُدَّ الوصل رغم البعد الأليم مسافات تناءت صارت أفقًا وخلف الصمت صوتٌ في الصميمِ فلا عين تواسي اليوم ح...