بين قِممِ الجبالِ العالية
بين حفافي التِّلالِ الساهية
بين صخورٍ وأكماتٍ تراها
وكأنَّها تروي حكاياتٍ قديمة ...
هناك كنتُ أتريَّضُ روحاً بلا جسدٍ
قرب مزرعةٍ جميلةٍ تغطي أرضها
جحافلٌ من أزهارِ النَّرجسِ ....
كنت في غيبوبةٍ عن الوجودِ
وفي شبِهِ انخطافٍ من العالم ....
أحسستُ وكأنَّ روحي تمتزجُ وتنصهرُ
بروحِ الكون وتتلاشى وتذوبُ
في كلِّيةِ وشموليةِ الخلائقِ
يفاجؤني شعورٌ غامضٌ غريبٌ يوحي ويومي إليَّ
أن أقتربَ من المزرعةِ ...
بخطىً مسحورةٍ تقدمتُ... قشعريرةٌ تعصفُ بروحي ...
واضطرابٌ يهزُّ كياني ... وجدتُ نفسي بين حفافي المزرعةِ...
كانت هناك أرتالٌ من أزهارِ النرجسِ
تصطفُّ وتتمايلُ بغنجٍ ودلالٍ كأجمل الحسانِ ...
بعضُها يتآلفُ ويشكِّلُ تجمُّعاتٍ جميلةٍ حول الصخورِ
الضاحكةِ التي كانت تلثمُ خدودها أشعةُ شمسِ الأصيل....
دُهشتُ لِما رأتْ عينايَ وأصابَ
قلبي خفقانٌ ووجيبٌ مخيف...
لحظاتٌ رهيبةٌ مرَّتْ على روحي
وهي تخترقُ حواجزَ العصورِ والدُّهورِ
وتُريني ما ذهبَ بلُبِّي وعقلي ....
ربَّاهُ أين أنا وماذا أرى ؟؟؟؟؟
أنا في حقلِ نرجسٍ عمرُه يتجاوزُ الزمان
ويتخطَّى حدودَ المكان ....
وإذْ من بين تلك النَّرجساتِ الحسان واحدةٌ
أحسستُ كأنَّ لها عيوناً ساحرةً
تنظرُ إليَّ بحبٍّ وحنينٍ ولهفة
اقتربتُ منها قليلاً ... فتحتْ شفتيها وتكلمت
بلغةٍ صامتةٍ دون حروف ...
لكنَّها تخترقُ القلبَ وتنفذُ إلى أعماقِ الرُّوحِ
قالت ألم تعرفني أيُّها الجاحد السَّاهي المتناسي ؟؟؟
ربَّاهُ أنا أعرف هذا الصوت له في آذانِ روحي
إيقاعاً عذباً رخيماً رقيقاً ساحراً ....
دققتُ بعينِيها وإذْ بها ترمقني بغضبٍ
وتقول لي بهمسٍ صامتٍ :
حتى الآن لم تتذكرني أيها الخائن ؟؟؟
ويلي هذه هيَ بصوتِها الرَّخيم وعينيها الساحرتين
هي نرجستي الحبيبة الغالية
التي فقدتها منذ الدهورِ السحيقة
أصابتني إغماءةٌ وارتميتُ بين
أحضانِ النرجسِ فاقدَ الوعيِ والحسِّ ...
لا أعلمُ كم مرَّ عليَّ من زمانٍ ....ربما عصور ...
أفقتُ لأجدَ نرجستي تضمُّني إليها
بدفءٍ وحبٍّ وشفقةٍ وهي تهمسُ
أنا من هنا من هذه المزرعةِ
وأنت من فوارِ الأمواجِ الدافئة ...
آه كم كنَّا سعداء في مملكةِ السماء
قبل أن تقذفنا عواصفُ الشِّتاء
إلى عالمِ الترابِ والشَّقاء
انت على حفافي تلالِ الفوارِ
وأنا على حفافي مزرعةِ النرجسِ ...
قمْ يا حبيبي تعالَ لنبنيَ لنا كوخاً فوق ظهرِ الجبالِ
بين غاباتِ الكستناءِ والصنوبرِ نعيشُ حياتنا
أزهاراً نقيَّةً طاهرةً كطهارةِ النرجسِ
بعيدين عن وحلِ الوديانِ والمستنقعات .....
حكمت نايف خولي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق