الفتى الفدائي
بقلم: الأستاذ بدرالدين ناجي
استيقظ أيها الفتى، لقد كلفت بمهمة عظيمة. هاقد حانت ساعة الهجرة إلى يثرب. ستكون أنت البطل، و ستنجز عملا يذكرك التاريخ به. استعد للذهاب معنا إلى رسول الله عليه الصلاة و السلام. أنا في انتظارك خارج البيت، لا تتأخر و لا تخبر أحدا بالأمر.
استيقظ الفتى مسرعا، و ارتدى ثيابه، و أصلح هندامه، ثم انطلق متخفيا مع رفيقه يتواريان عن أعين الناس حتى لا يراهما أحد. وصلا إلى بيت الرسول عليه الصلاة و السلام، دق علي الباب دقات خفيفة متفق عليها. فتح الباب، نظر الفتى يمينا و شمالا، ليطمئن أنهما لم يكونا مراقبين، أو أن أحدا كان يتبع خطواتهما. ولج مع رفيقه إلى البيت و سلم على الحاضرين.
أهلا بك يا علي، لقد جئت في الوقت المناسب، لقد أمر الله تعالى رسوله بالهجرة إلى يثرب هذه الليلة، و لقد كلفك نبينا عليه الصلاة و السلام بمهمة سرية، ستبقى هنا في مكة لتعيد الأمانات و الودائع إلى أهلها. هذه قائمة بأسماء الأشخاص المعنيين، و هناك مهمة عظيمة اختارك أنت رغم صغر سنك للقيام بها.
إن شاء الله سأكون عند حسن ظن رسول الله عليه الصلاة و السلام بي، و سأنفذ كل أوامره و تعليماته بحذافيرها، سأعيد كل الأمانات و الودائع غدا إلى أصحابها الذين ذكرت أسماؤهم في القائمة. أرجو أن أوفق في أداء هذه المهمة العظيمة على أكمل وجه.
لكن يا علي هناك مهمة أخرى أوكلها لك سيدنا عليه الصلاة و السلام، هي مهمة صعبة و خطيرة، لكنه يثق بك ثقة تامة، و يعلم أنك أهل لها، و لهذا كلفك أنت دون غيرك للقيام بها، سيهاجر هذه الليلة، و ستبقى أنت في فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم، لكي تغالط الكفار و توهمهم أنه مازال نائما في بيته.
روحي فداء لرسول الله عليه الصلاة و السلام، بأبي و أمي أنت يا سيدي، سأكون سعيدا لو ضحيت بحياتي من أجلك. لقد شرفتني اذ اخترتني و كلفتني بهذه المهمة العظيمة. و لن أخذلك، سأضحي بنفسي لكي تعيش أنت يا حبيب الله و تستمر دعوتك حتى تصل لكل الناس.
بارك الله فيك يا علي، أعلم أنك أشجع فتيان بني هاشم، و أنك تحب سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام حبا جما، لا شك في ذلك، و لهذا وضع ثقته فيك، و كلفك أنت دون سواك بهذه المهمة السرية العظيمة. سيخرج بعد قليل في جنح الظلام، و يتركك في رعاية الله و حفظه. أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. و اللقاء إن شاء الله سيكون بعد أيام في المدينة المنورة.
نام علي تلك الليلة المباركة مطمئنا، غشيته السكينة و حفته الطمأنينة، نام ليلته نوما عميقا كأنه لم ينم في حياته مثلها. لم يفق إلا و يد أحد كفار قريش تهزه هزا بقوة. استيقظ على صوت أحدهم و هو يقول: هذا ليس محمدا، هذا علي بن أبي طالب. أين ذهب محمد؟. لعله خرج و لم ننتبه له. تبا لنا من غافلين، تكلم آخر قائلا: أعتقد أنه تسلل في جنح الظلام في غفلة منا. لكن كيف، و نحن عصبة مدججة بالسلاح؟.
كانت الخيبة بادية على وجوه العصابة الكافرة التي أرادت أن تقتل سيد البشر و رسول العالمين، و تنفذ الخطة التي تم الإتفاق عليها حتى يتوزع دمه بين القبائل، فلا يقدر أهله على محاربتهم فيطلبون الدية. لكن قدرة الله حمته من بطشهم، و أفسدت خطتهم الخبيثة التي وسوس لهم بها الشيطان. خرجوا يزمجرون و يعربدون و الغضب باد على ملامحهم. لكن علي هذا الفتى الشجاع كان يبتسم خفية، و هو يرى غضب الكافرين و فشلهم.
كانت السعادة تغمر قلب علي رضي الله عنه و هو مرتاح البال، لأنه أدى المهمة على أكمل وجه. رفع عينيه إلى السماء و حمد الله و شكره، و دعا الله أن يحفظ نبيه و هو في طريق الهجرة إلى المدينة المنورة. بقلم: الأستاذ بدرالدين ناجي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق