الثلاثاء، 11 يوليو 2023

قصة /ذات الحظ البائس/ بقلم الشاعر والأديب: عبد الرحيم أفقير

قصة قصيرة
بعنوان
* ذات الحظ البائس *
في الصباح الباكر ، وبالضبط بعد صلاة الفجر نهضت فريدة من نومها وخرجت من الكوخ العائلي ، الذي تسكنه إلى جانب والديها الطاعنين في السن واختيها الصغيرتين واتجهت نحو الإسطبل لإخراج بعض الأغنام واخدت شيئا من الزاد وهو عبارة عن قطعة خبز مبلل بزيت الزيتون وقنينة ماء تبلل بها شفتيها بين الفينة والأخرى ، وعصا لتوجيه الأغنام في عبورهم بين المسالك وإرجاع من زاغت أو تأخرت عن الالتحاق بالمجموعة وذلك بضربها بها ضربا غير مؤلم ، حتى لا تظل وحيدة وتسقط كفريسة لذئب ما يطوف بالمنطقة .
فرحلة الرعي شاقة وتستغرق مدة لا باس بها من الزمان من وقت بداية من طلوع أشعة الشمس الأولى إلى غاية صلاة العصر وهو موعد الرجوع .
ومن شدة التعب ، جلست فريدة على قمة الجبل ، وسط مناظر الطبيعة الخلابة وسحر الأصوات الخفيفة للطيور الجميلة و المنبعثة من بين أركان الغابة المترامية الأطراف ، وهي حافية القدمين مرتدية لباسا محتشما وعلى رأسها قطعة قماش تقيها من حر الشمس ووضعت يدها على ذقنها وبدأت تندب حظها البائس للأشجار العالية ، فهي من اولائك البنات اللواتي عشن في البادية ولم يكتب لهن أن دخلن المدرسة ، وتواجهن مصاعب الحياة لوحدهن ، و لا تبحثن عن شيء آخر غير تأمين قوتهن اليومي ، فتيات في مقتبل العمر مؤهلات للزواج تنتظرن قدوم خطيب يمسح عن وجههن ملامح الحزن ويخفف من آهاتهن اليومية .              

وظلت فريدة ذات الحظ البائس على تلك الحالة ، في دوامة إلى حين أن أشرق بغتة ، في يوم من أيام الخريف ،بريق الأمل حيث أبلغ أبو فريدة زوجته بأنهم سينزلون جميعا لحضور موسم املشيل ، الذي تعرفه المنطقة سنويا ، وتحج اليه غالبية الأسر القاطنة بجبال الأطلس الشاهقة وكذا السياح المغاربة والأجانب ، وتزينت فريدة واسرتها بملابس تليق بالمناسبة ، ووضعت ذات الحظ البائس كحلا على عينيها العسليتين مما اضفى عليهما جمالا عن ما أنعم عليها الله من جمال بالفطرة ، وحتى تطرد عنها النحس الذي ما فتئ يلازمها ليل نهار كظلها .                                            
      وهكذا و في الصباح الباكر ،حج الكل ولأول مرة إلى مكان الموسم ، وعلامات الفرح بادية على وجه فريدة ، واحست في ذلك اليوم وعلى غير العادة بإحساس غريب لم يسبق لها أن شعرت به قبلا ، فهذا الموسم معروف منذ القرن الثامن عشر بكونه مسرحا لإقامة حفلات الخطوبة والزواج لأبناء وبنات المنطقة .                                                              
فهو حفل سنوي ، دأبت السلطات المحلية على تنظيمه ، و موسم اجتماعي واقتصادي وفني تحضره الفرق الفولكلورية للمنطقة ،حيث يشكل هذا التجمع مناسبة للتقارب بين أبناء المنطقة و كذا لتنشيط الحركة التجارية من بيع وشراء للأغنام والمحاصيل الزراعية ومواد أخرى تزخر بها المنطقة ، وتحضر هذه التظاهرة السلطات المحلية بمختلف ممثليها بمن فيهم شيوخ قبائل المنطقة لتوفير الجو الملائم من أمن وأمان ؛ فهذا الموسم يدخل في إطار الموروث الثقافي للمنطقة ، وفي لحظة غير منتظرة وقعت عين شيخ القبيلة وهو يتجول بين الخيام المنصوبة هنا وهناك على فريدة ، فاعجبته بجمالها وببسمتها الخفيفة ، فأمعن النظر فيها وتسائل في نفسه ولما لا يقوم بخطبتها لإبنه الشاب الذي يعمل بالملشيل المركز والذي يمتلك به محلا تجاريا لبيع الآلات والمعدات ومختلف الأسمدة الفلاحية ، إذ يسكن منذ مدة لا يستهان بها لوحده ، فاستفسر زبانيته عن من تكون تلك الفتاة الفاتنة ، فاحضروا له في رمشة عين كل المعلومات ؛ فاستحسن الأمر، خصوصا وانه يعرف أبوها الحاج موحا أومحند ، ابن المنطقة ومعروف بورعه واستقامته ، فتقدم شيخ القبيلة إلى الحاج موحا وطلب منه يد ابنته المصون لإبنه أولحسن الأمزيغي ، حيث شكل هذا الطلب مفاجئة للحاج موحا ، فبدأ يتلعثم في الكلام من شدة الفرحة ووافق على الطلب بدون أي اعتراض ، وأظهر قبوله للطلب قائلا " اللهم بارك "دون الحاجة إلى اخد راي فريدة التي ما عليها إلى الخضوع لأمر أبيها، فاخبر شيخ القبيلة إبنه المتواجد بالموسم بالأمر والذي لم يعترض على ذلك كما علمت أم فريدة بالخبر ففرحت وأطلقت بدون شعور زغرودة رائعة ، واتجه الجميع إلى الخيمة التي تتم فيها مراسيم قراءة الفاتحة وتقديم الصداق و توثيق الزواج .                           
وهكذا وفي رمشة عين وبمشيئة الأقدار الإلهية ، تحول حظ فريدة من البائس إلى الحظ الوردي ، وفرحت فرحة لا تتصور ، فأولا تزوجت وبأحد رجال القبيلة الوجهاء المعروفين مما سيزيدها حضوة بين الناس وعما قريب ستصير أما وهو حلم كل امرأة وستلد أولادا سيدخلون المدرسة ويتعلمون ويحصلون على شهادات و على عمل ، الشيء الذي حرمت منه بحكم ضيق الحال الذي كانت تعيشه وكذا بسبب الثقافة السائدة بالمنطقة ./ .                                                                    

عبدالرحيم أفقير                                
    - المغرب - 🇲🇦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحب الخالد// بقلم الشاعرة: همسة انين

الحب الخالد يا قلبين قد صاغَهُما قدرٌ فشُدَّ الوصل رغم البعد الأليم مسافات تناءت صارت أفقًا وخلف الصمت صوتٌ في الصميمِ فلا عين تواسي اليوم ح...