من الصعب جدا أن نتحدث اليوم بوقار أخلاقي متماسك، وبحس انساني عادل، وبرجاحة عقل متوازن يميز بين الخير والشر ، وبين ما يحدث الآن في غزة من تدمير ممنهج وشامل، وبتزكية غريبة أمريكية، يواكبها صمت مطبق من أنظمة الدول العربية والإسلامية المتآمرة على نفسها بنفسها، دون أن تعلم بأنها ستأكل يوم أكل الثور الأبيض.
إنها الكارثة ولا شك التي يعلمها الجميع، ويتجاهلونها مرغمين، أو مستعينين بقرائحهم وعبقرياتهم، وما توفر لهم من حجج ومبررات استنتجوها خطأ من الكتب السماوية والموسوعات القانونية، ومن بعض الكتب التاريخية، دون الأعتبار بالحكمة المستنتجة من الآية القرآنية الكريمة التي تحرم قتل النفس البشرية دون حق.
إننا عندما نرى هذا العالم الذي هو جزء من خلاصة التجارب الإنسانية، والحضارات والثقافات والأجيال المتعاقبة، ينحاز بجميع هيئاته ومنظماته ومؤسساته وجمعياته وعصبه ورجاله من علماء ومفكرين وسياسيين وكهنة وأحبار إلى جانب الظالم، في حين ودون تفكير أو تبكيت ضمير يصف المظلوم بعبارات غاية في الدهاء والمكر والخبث بالدعشنة والارهاب، وبكل ما يخرج الإنسان الفلسطيني خارج الدائرة الانسانية.
للأسف الشديد، أن عالم ما بعد العولمة بآرائه المتطرفة، بات أكثر عرضة للتشظي والتساقط خارج سلم القيم الإنسانية، والآفاق الكونية الرحبة، والمصطلحات التي يروج لها إعلامه ومنظروه.
لا أدري كيف استطاعت هذه الأنظمة الفاشية التي تختزل في ثوان قليلة شعوبها في أكياس بلاستيكية، ثم تلقي بها بيد آثمة في حفرة سحيقة، سواء كانت هذه الأنظمة أنظمة ديمقراطية، أو أنظمة ديكتاتورية، تتقارب مع نظيرتها التي تطبق نظاما دستوريا صارما وقوانين جاهزة للتصدي لأي مرجعية فكرية أو دينية، أو أي برنامج ثوري سياسي أو اقتصادي أو برامج ثقافية طموحة.
إن الاستعانة بتجييش واستيراد الحجج والمبررات الواحدة تلو الأخرى، لن تجدي نفعا، لأنها لا تعدو أن تكون مجر تفكير ايديولوجي سخيف، قد يسمح لصاحبه فقط بأن يتسلح بالأكاذيب ، مستعينا بتلك الوسائل اللامشروعة عرفا ودينا وقانونا، ومنها تلك التي تحقق له مآربه وأهدافه وعشقه الجارف لأزهاق الأرواح البريئة دون شعور بالذنب، أو تبكيت الضمير.. وهذا ما نراه يحدث منذ أكثر من ٧٥ سنة على أرض فلسطين. لذلك نقول، وبكل تواضع الإنسان الكوني المتواضع أن الاستعمار جريمة لا تقدم شيئا جميلا للانسانية، باستثناء تلك الرغبة المجنونة التي تحرض على أمتهان القتل وإراقة الدماء.
لذلك يجب القضاء على الأستعمار أولا، لكي يسكت الرصاص وتختفي القنابل والصواريخ، وتنتهي الخلافات وتتوقف المجازر.
إن انسان هذا العصر سواء كان من سكان القارة الأوروبية، أو من سكان آسيا أو أمريكا، أو من سكان اي قارة أخرى، فأنه بات لا يحسن من السلوكيات إلا التفرج والتصفيق والولاء للأقوى، وتزكية التغول الأميكو صهيوني،وهو يراه يتفنن في التنكيل بأرواح وأجساد الفلسطينيين نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا رضعا، مستعينا بشتى الأساليب والحيل والمبررات التي تتهم دون استحياء المقاومة الفلسطينية بالارهاب، وكأن هذه المقاومة جاءت من كوكب آخر ، لتحتل أرضا وتهجر شعبا، أوكأن تجتثه من جذوره التاريخية التي يعرفها الخاص والعام وتتجاهلها أمريكا وأسرائيل.
لقد وجدوا في هذه الحجة المفبركة من طرف دول وأنظمة يعرفها المثقف والأمي،. ؤعرفها المسلم والمسيحي ، ويعرفها اليهودي والبوذي، ما يبررون به هذا القصف العشوائي الموغل في الوحشية، بحيث نال من انسانية الانسان الفلسطيني ، بتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والملاعب، ومنع هذا الشعب الأعزل من نصرة وطنيته التي تحلم بوطن اسمه فلسطين.
ألا يكفي حرمانهم من الماء والهواء والدواء والغذاء والكهرباء، حتى يحرموه من الأنتماء إلى آدم وحواء وإلى ارض ووطن اسمهما فلسطين؟!.
بقلم: ابراهيم عثمان